تحتاج صحافة البيانات في اليمن إلى الكثير من المهارات والقدرات لتعزيز إمكانيات الصحفيين في فنون هذا النوع الهام من الصحافة الحديثة، الذي ما زال ناشئًا.
يقول المخرج الصحفي محمد الفاتش وهو مدير فني لإحدى الصحف اليمنية إنه “لمس من خلال عمله افتقار أغلب المواد الصحفية إلى التميز في إيصال المعلومة بشكل مشوق وسلس، فكان يضطر إلى التدخل في إعادة تحرير المادة بإضافة البيانات والأرقام واستخدام الانفوجرافيك لإعطاها قوة إضافية وجعلها أكثر سهولة في إيصال محتواها”.
وكان الفاتش يؤمن بقاعدة أساسية مفادها أن الصورة تساوي ألف كلمة، بحيث يمكن عرض المعلومة بشكل مشوق ويجعلها تنال حقها في الوصول إلى الهدف خاصة مع التطور الحاصل في أسلوب التواصل الاجتماعي.
من هنا سعى إلى إنشاء موقع يعرض من خلاله أعماله في الانفوجرافيك وإضافة بعض المعلومات عن صحافة البيانات حتى يستفيد الآخرون من تجربته في تحليل البيانات وأسلوب عرضها فكان تأسيس موقع خلاصة.
يقول الفاتش لـشبكة الصحفيين الدوليين: “يفتقر الكثير من الصحفيين اليمنيين إلى أساليب وأدوات الصحافة البيانية الحديثة، التي تمكنهم من تقديم المعلومات والتحليلات بصورة مشوقة عبر استخدام الوسائل والبرامج المتاحة لعرض بياناتهم بأسلوب اكثر حداثة بعيداً عن السردية المطولة”.
ولاكتساب هذه المهارات المتعلقة بصحافة البيانات “يجب على الصحفيين مواكبة التطور التكنولوجي من خلال الإطلاع أكثر على صحافة البيانات”، بحسب الفاتش الذي دعا الصحفيين للتعمق في صحافة البيانات والتعرف على بعض البرامج المستخدمة في تحليل البيانات منها على سبيل المثال: Tableau وبرنامج Data Studio من جوجل وكذلك برنامج Power BI من مايكروسوفت لإظهار التقارير بشكل تفاعلي وغيرها من برامج التحليل الأخرى مثل الاكسيل، وبالنسبة للتصميم استخدام برنامج الاليستروتور من شركة ادوبي.
ويرى أن على صحفيي البيانات امتلاك عدد من المهارات كجمع المعلومات الكترونيا وصنع قصة منها وتنظيم جداول البيانات الضخمة الى شرائح وعرضها بوضوح إضافة إلى مهارة عرض البيانات (انفوجرافيك)، مشددًا على أهمية تعلم مهارة عرض البيانات والتي يمكن من خلالها توصيل ونشر القصة بطريقة لا يمكن للمادة السردية إيصالها وذلك باستخدام الأدوات المجانية التي تم ذكرها سابقا.
ويحث على تعلم الشيء القليل من البرمجة مثل لغة البرمجةHTML , CSS, PHP JAVASCRPIT والتي يمكن أن تساعد الصحفيين على إنشاء تصورات وتقارير مرئية تفاعلية، مؤكدًا على ضرورة تعلم مهارة تحليل البيانات بهدف القدرة على تفسير وتحليل البيانات ليتمكن من إخراج القصص المخبأة وسط الأرقام والبيانات الضخمة وإبرازها بشكل صحيح.
من جهته، يقول محمد اسماعيل رئيس شبكة صحفيي البيانات في اليمن “إنّ صحافة البيانات بصورتها المبسطة ما زالت في البداية لأسباب عديدة منها ضعف وعي الصحفيين بأهميتها، وضعف إمكانياتهم في التعامل مع هكذا نوع جديد”. ويسرد عددًا من التحديات التي تواجه صحفيي البيانات في اليمن منها عدم توفر البيانات، حيث لا تزال معظم المؤسسات سواء الحكومية أو غيرها تستخدم السجلات اليدوية، ولم تصل حد الرقمنة وإتاحة البيانات، ما خلق صعوبة أمام الحصول على البيانات، واضطر صحفيو البيانات إلى خلق بيانات وتجميعها بجهود ذاتية.
ويرى أن أهم احتياج لصحفي البيانات هو بناء القدرات للحصول على البيانات وتحليلها واخراجها بصورة قصصية مفيدة.
ويعتبر أن صحافة البيانات تتطلب جهدا بعكس إعداد المادة الصحفية التي اعتادت عليها الصحافة اليمنية، وهذا ما يجعل بعض الصحفيين يتحاشونها.
ويشير إسماعيل إلى أنه قبل ثلاث سنوات تقريبا، لم تكن وسائل الاعلام تهتم بهكذا نوع من الصحافة، بإستثناء بعض المواقع التي كانت تخصص جزءاً من مساحتها لصحافة البيانات، فكان الحصول على ارقام وإحصائيات حينها أمرا صعبا، فجاءت فكرة إنشاء شبكة تعنى برعاية وتشجيع هذا النوع من الصحافة وتساهم في تقديم الوضع الإنساني بلغة الأرقام.
وحول نشاط شبكة صحافة البيانات يقول انها وسعت من دائرة الوعي بأهمية صحافة البيانات، وأهلت مجموعة من الصحفيين القادرين على التعامل مع هذا النوع من الصحافة وإعداد مواد صحفية مدعمة بالبيانات. ويضيف أن الشبكة نفذت ورشات تدريبية، بما فيها تأهيل مدربين في هذا المجال، وأشرفت على إنتاج العشرات من القصص الصحفية المدعمة بالبيانات.
من جهته، يعتبر الصحفي المهتم بصحافة البيانات بسام غبر أنّ حضور هذا النوع من الصحافة في وسائل الإعلام اليمنية خجول ويركز على تصميم وعرض البيانات وكأن صحافة البيانات عبارة عن سرد بصري فقط، قائلاً: “لا توجد منصات متخصصة بصحافة البيانات سوى موقع خلاصة الذي تأسس في العام 2014، في حين حضرت صحافة البيانات في الصحافة اليمنية عن طريق ممارستها من قبل صحفيين يمنين شباب، قدموا وما زالوا قصصًا مدعومة بالبيانات، نالت منها جوائز عربية وتأهلت أخرى”.
في العام 2018، تم تأسيس شبكة صحفي البيانات في اليمن، وبدورها أسهمت في تأهيل وتدريب عدد من الصحفيين، ومكنتهم من إنتاج قصص صحفية مدعومة بالبيانات. ويرى غبر أن غياب بنية مؤسسية لقواعد بيانات حكومية وغير حكومية، وضعف البنى التحتية لقطاع الانترنت والاتصالات، وعدم مؤسسية معظم وسائل الإعلام قد يحد من مواكبة الصحافة اليمنية لهذا الفن أولاً بأول.
ويضيف أن الصحفيين يتعاملون مع البيانات منذ نشأة الصحافة، فصحفي دون معلومة لا قيمة له، إلا أن حجم ونوعية البيانات اليوم أصبح مختلفًا، ورؤية الصحفي لهذه البيانات صارت مغايرة وغير تقليدية، وتعامله معها بأساليب وأدوات حديثة، تمكنه من تحويلها إلى قصة صحفية.
وهناك مهارات أساسية لا بد أن يمتلكها صحفي البيانات، كمهارات إيجاد البيانات والحصول عليها من مصادر مختلفة، ومهارات جمع وتنظيم البيانات ليتمكن من تحديد تفاصيل القصة، ومهارات تحليل البيانات، التي يصل بها إلى استنتاجات ونتائج تعكس دلالة هذه البيانات، مهارات تصميم البيانات، ويكون قادراً على تحديد العرض البصري الجذاب والمناسب لطبيعية البيانات. كما أنه يتطلب امتلاك بعض الكفاءات في التعامل مع تطبيقات وبرامج الحاسوب، كالتعامل مع محركات البحث عبر الإنترنت، والقدرة على استخدام البرامج التي تساعد في تنظيم وتحليل البيانات كبرنامج إكسيل، وجوجل شيت.
يمكن الإطلاع على دليل تدريب مؤسسة إنترنيوز لصحافة البيانات الذي صار متاحا باللغة العربية عبر موقع شبكة أريج.